إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا… صِفَاتُهُمْ وَسِمَاتُهُمْ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ ؛ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ؛ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَكُونُوا مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ ، وَمَيَّزَهُمْ مِنْ بَيْنِ خَلْقِهِ وَعِبَادِهِ ، وَوَعَدَهُمْ بِمَغْفِرَتِهِ وَجَزِيلِ ثَوَابِهِ ، وَتَوَعَّدَ مَنْ خَالَفَ سَبِيلَهُمْ بِأَلِيمِ عَذَابِهِ . تَأَمَّلُوا كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ؛ يَذْكُرُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى مَنْ تَتَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ ، وَالشُّعَرَاءَ الَّذِينَ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ ، وَفِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ ، وَالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ ؛ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الَّذِينَ آمَنُوا فَيَقُولُ : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ .
وَيَذْكُرُ عَزَّ وَجَلَّ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِ الْخُلَطَاءِ مِنْ طَمَعٍ فِيمَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ وَظُلْمٍ ؛ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الَّذِينَ آمَنُوا فَيَقُولُ : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ .
وَيَذْكُرُ عَزَّ وَجَلَّ ، بَلْ وَيُقْسِمُ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ وَعَدَمِ رِبْحٍ ؛ ثُمَّ يَسْتَثْنِي الَّذِينَ آمَنُوا فَيَقُولُ : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾ .
فَمَنْ هُمُ الَّذِينَ آمَنُوا ـ أَخِي الْمُسْلِمَ ـ ؟
إِلَيْكَ بَعْضَ صِفَاتِهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ ، وَيَقُولُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَائِلٍ : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ ، وَيَقُولُ أَيْضًا : ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ *أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾ ، وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ ، سَأَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْإِيمَانِ فَقَالَ : « مَا الْإِيمَانُ ؟ » قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « الإيمَانُ أنْ تُؤْمِنَ باللَّهِ ومَلَائِكَتِهِ ، وكُتُبِهِ ، وبِلِقَائِهِ ، ورُسُلِهِ وتُؤْمِنَ بالبَعْثِ » .
هَذِهِ بَعْضُ صِفَاتِهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ، وَأَنْ يَحْرِصَ أَنْ يَتَّصِفَ بِصِفَاتِهِمْ ، وَيَحْذَرَ أَنْ يَكُونَ خِلَافَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ خَطِيرٌ جِدُّ خَطِيرٍ . يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ﴾ ، وَيَقُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ الصَّحِيحِ : «يَا مَعْشَرَ مَنْ آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يَدْخُلِ الْإِيمَانُ قَلْبَهُ ، لَا تَغْتَابُوا الْمُسْلِمِينَ ، وَلَا تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ ، فَإِنَّهُ مَنِ اتَّبَعَ عَوْرَاتِهِمْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ ، وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ فِي بَيْتِهِ» .
أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا ، وَسَلَامَةً دَائِمَةً ؛ إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَمَّا بَعْدُ : أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ :
وَعِنْدَمَا نَجِدُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى : ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا﴾ نَجِدْ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : ﴿وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ مَقْرُونًا مَعَهَا ، فَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَيَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ هُمْ خَيْرُ الْمَخْلُوقَاتِ ، كَمَا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ﴾ .
وَالصَّالِحَاتُ - يَا عِبَادَ اللَّهِ - هِيَ كُلُّ عَمَلٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الْإِخْلَاصِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَيُوَافِقُ سُنَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْحَدِيثِ الْقُدُسِيِّ : «أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ» ، وَيَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ» ، أَوْ «مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ مِنْهُ فَهُوَ رَدٌّ» .
قَالَ ابْنُ عُثَيْمِينَ رَحِمَهُ اللَّهُ : « فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْعَمَلُ صَالِحًا إِلَّا بِهَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ : الْإِخْلَاصِ ، وَالْمُتَابَعَةِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ » .
نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَجْعَلَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ الصَّادِقِ ، وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَالْقَوْلِ السَّدِيدِ ، وَالْقَلْبِ السَّلِيمِ .
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ .
اللَّهُمَّ أَصْلِحْ قُلُوبَنَا ، وَاشْرَحْ صُدُورَنَا ، وَاغْفِرْ ذُنُوبَنَا ، وَاسْتُرْ عُيُوبَنَا ، وَارْفَعْ دَرَجَاتِنَا .
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَوَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِهُدَاكَ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُمْ فِي رِضَاكَ .
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ، الْأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالْأَمْوَاتِ .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْتَغْفِرُكَ إِنَّكَ كُنْتَ غَفَّارًا ، فَأَرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْنَا مِدْرَارًا ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا ، اللَّهُمَّ أَنْبِتْ لَنَا الزَّرْعَ ، وَأَدِرْ لَنَا الضَّرْعَ ، وَاسْقِنَا مِنْ بَرَكَاتِ السَّمَاءِ ، وَأَخْرِجْ لَنَا مِنْ بَرَكَاتِ الأَرْضِ ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَلَا تَجْعَلْنَا مِنَ الْقَانِطِينَ ، اللَّهُمَّ سُقْيَا رَحْمَةٍ ، لَا سُقْيَا بَلَاءٍ ، وَلَا عَذَابٍ ، وَلَا هَدْمٍ ، وَلَا غَرَقٍ . اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ .
عِبَادَ اللَّهِ : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: