اَلْإِشَاْعَاْتُ وَخَطَرُهَاْ عَلَىْ اَلْمُجْتَمَعَاْتِ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ .
أَمَّا بَعْدُ ؛ فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ ؛ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَشَرَّ الأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ ؛ عِبَادَ اللهِ :
تَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ وَصِيَّتُهُ سُبْحَانَهُ لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ : ﴿ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ بِأَنَّ خَطَرَ الْإِشَاعَاتِ لَخَطَرٌ عَظِيمٌ ، وَشَرَّهَا شَرٌّ كَبِيرٌ ، فَكَمْ دَمَّرَتِ الْإِشَاعَاتُ مِنْ مُجْتَمَعَاتٍ! وَكَمْ أَفْسَدَتْ مِنْ عَلَاقَاتٍ! وَكَمْ تَسَبَّبَتْ فِي قَطْعِ صِلَاْتٍ !
بِسَبَبِ الْإِشَاعَةِ ـ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ ـ ؛ مَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا كَامِلًا مَهْمُومًا مَحْزُونًا ، وَالسَّبَبُ إِشَاعَةٌ رَوَّجَ لَهَا مُنَافِقٌ ، وَهِيَ قِصَّةُ الْإِفْكِ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ :
﴿إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ * لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ ﴾ .
تَأَمَّلْ أَخِي الْمُسْلِمَ قَوْلَ اللهِ تَعَالَى : ﴿ لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا ﴾ ، أَهْلُ الْإِيمَانِ لَيْسُوا كَغَيْرِهِمْ عِنْدَ تَرْوِيجِ الْإِشَاعَاتِ ، وَنَشْرِ الْأَخْبَارِ الزَّائِفَةِ وَالْمَعْلُومَاتِ الْخَاطِئَةِ ، وَلِذَلِكَ أَكْثَرُ النَّاسِ نَقْلًا وَتَدَاوُلًا لِلْإِشَاعَاتِ ، هُمُ الْجَهَلَةُ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ شَيْئًا فِي الدِّينِ ، وَلَا يَتَوَرَّعُونَ عَنْ آفَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ ، وَلَا يُبَالُونَ فِي عَوَاقِبِ أُمُورِهِمْ ، أَمَّا فِي أَوْسَاطِ النِّسَاءِ فَحَدِّثْ وَلَا حَرَجَ! إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَنْشُرَ خَبَرًا ، فَحَدِّثْ بِهِ بَعْضَ النِّسَاءِ ، وَلَا شَكَّ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَبُثَّ خَبَرًا ، أَوْ يَنْقُلَ كَلَامًا ، وَهُوَ لَا يَدْرِي عَنْ صِحَّتِهِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَصَفَ مَنْ يَنْقُلُ الْأَخْبَارَ الْكَاذِبَةَ ، بِالْفِسْقِ وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا . . ﴾ وَفِي قِرَاءَةٍ أُخْرَى لِهَذِهِ الْآيَةِ : ﴿ إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَثبَتوا . . ﴾ فَأَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ . أَمَّا نَقْلُ الْأَخْبَارِ دُونَ تَثَبُّتٍ وَلَا تَبَيُّنٍ ، فَإِنَّهُ قَدْ يُوقِعُ الْمُسْلِمَ فِي الْكَذِبِ أَوْ فِي الْفِسْقِ .
بَعْضُ النَّاسِ -نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ- هَمُّهُ نَقْلُ الْأَخْبَارِ ، وَتَدَاوُلُ الرَّسَائِلِ ، وَالْحَدِيثُ فِي الْمَجَالِسِ ، عَنْ أَشْيَاءَ لَا يَعْلَمُ صِحَّتَهَا ، سَمِعَهَا مِنَ النَّاسِ فَطَارَ بِهَا ، وَعَمِلَ عَلَى نَشْرِهَا وَإِذَاعَتِهَا ، وَمُجَرَّدُ نَقْلِ الْأَخْبَارِ ، دُونَ التَّأَكُّدِ مِنَ الصِّحَّةِ ، مُوجِبٌ لِلْفِسْقِ مُعَرِّضٍ للكذب ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : « كَفَى بالمَرْءِ كَذِبًا أنْ يُحَدِّثَ بكُلِّ مَا سَمِعَ » ، فَقَدْ يَكُونُ مَا تَنْقُلُ أَخِي اَلْمُسْلِمَ كَذِبًا ، قَدْ يَكُونُ بُهْتَانًا ، قَدْ يَكُونُ ظُلْمًا ، بَلْ أَخِي قَدْ تَكُونُ بِنَقْلِكَ سَبَبًا لِكَارِثَةٍ مِنَ الْكَوَارِثِ ، لِذَلِكَ أَخِي اَلْمُسْلِمَ ، كُلُّ خَسَارَةٍ ، وَكُلُّ هَمٍّ وَغَمٍّ أَصَابَ أَخَاكَ اَلْمُسْلِمَ ، وَكُلُّ أَمْوَالٍ أُهْدِرَتْ ، وَكُلُّ عَلَاقَاتٍ قُطِعَتْ ، بِسَبَبِ إِشَاعَتِكَ اَلَّتِي نَشَرْتَهَا ، أَوْ سَاعَدْتَ فِي نَشْرِهَا ، فَلَكَ نَصِيبٌ مِنْ إِثْمِهَا ، وَصَدَقَ اللَّهُ اَلْعَظِيمُ : ﴿ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾ .
بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ ، أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إحْسَانِهِ ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إلَى رِضْوَانِهِ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا .
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إنَّ خَطَرَ الْإِشَاعَةِ لَخَطَرٌ عَظِيمٌ ، وَالتَّثَبُّتُ مِنَ الْوَاجِبَاتِ الْمُهِمَّةِ ، وَلَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ ، مِنْهَا : إرْجَاعُ الْأَمْرِ لِأَهْلِ الِاخْتِصَاصِ ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ﴿ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ فَإِذَا سَمِعْتَ أَخِي الْمُسْلِمَ إِشَاعَةً اسْأَلْ عَنْهَا ، اسْأَلْ وُلَاةَ الْأَمْرِ ، اسْأَلْ أَهْلَ الرَّأْيِ ، اسْأَلْ أَهْلَ الْعِلْمِ ، اسْأَلْ أَهْلَ الْعَقْلِ ، وَاحْذَرْ كُلَّ الْحَذَرِ أَنْ تَكُونَ كَاذِبًا فَاسِقًا .
وَمِنَ التَّثَبُّتِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ : التَّفَكُّرُ فِي مُحْتَوَى الْإِشَاعَةِ ، فَأَكْثَرُ الَّذِينَ يَنْقُلُونَ الْإِشَاعَاتِ ، لَا يَتَفَكَّرُونَ فِي مَضْمُونِهَا الَّذِي قَدْ يَحْمِلُ كَذِبًا أَوْ أَشْيَاءَ لَا يُصَدِّقُهَا عَاقِلٌ .
فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ ، وَاعْلَمُوا بِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً ﴾وَفِي الْحَدِيثِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : « مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا »
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ ، وَتَابِعِي التَّابِعِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَغُفْرَانِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ احْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطَمَئِنًّا ، وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ وَفِّقْ إِمَامَنَا ، وَوَلِيَّ أَمْرِنَا ، خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ ، وَارْزُقْهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ ، الَّتِي تَدُلُّهُ عَلَى الْخَيْرِ وَتُعِينُهُ عَلَيْهِ ، وَاصْرِفْ عَنْهُ بِطَانَةَ السُّوءِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
اللَّهُمَّ مَنْ أَرَادَنَا أَوْ أَرَادَ بِلَادَنَا بِسُوءٍ ، أَوْ بِمَا لَا يُرْضِيكَ ، أَوْ بِمَا يُخَالِفُ كِتَابَكَ وَسُنَّةَ نَبِيِّكَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، اللَّهُمَّ اشْغَلْهُ بِنَفْسِهِ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَاجْعَلْ تَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
﴿ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
عِبَادَ اللهِ :
﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا: