الكفاح في طلب الإصلاح
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مبارَكًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى،
والشكر له على ما أوْلى من نعمٍ سائغةٍ وأسدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا
شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.
أمَّا بعدُ: فأوصِيكمْ - عِبادَ اللهِ - ونفسِي بتقْوَى اللهِ
تعالَى؛ فتقوى الله خير زاد للنجاة يوم المعاد.
إصلاح
ذات البين شعبة إيمانية، وشِرعة إسلامية، تُستل بها السخائم، وتصفو القلوب، وتخمد
نيران الفتن. قال الله -عز وجل- منوهاً بتلك الخصلة: (لا
خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ
مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ
مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً).
أي:
لا خير في كثير مما يتناجى به الناس ويتخاطبون، وإذا لم يكن فيه خير، فإما لا
فائدة فيه كفضول الكلام المباح، وإما شر ومضرة محضة كالكلام المحرم بجميع أنواعه.
ثم
استثنى تعالى فقال: {إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ
أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} والإصلاح لا يكون إلا بين
متنازعين متخاصمين، والنزاع والخصام والتغاضب يوجب من الشر والفرقة ما لا يمكن
حصره، قال صلى الله عليه وسلم: ( وَفَسَادُ ذَاتِ
الْبَيْنِ الْحَالِقَةُ، لَا أقُولُ إنَّها تحلِقُ الشَّعَرَ، ولَكِنْ تَحْلِقُ
الدِّين) فلذلك حث الشارع على الإصلاح بين الناس في الدماء والأموال
والأعراض، بل وفي الأديان كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا
بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا} وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا
فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأخْرَى فَقَاتِلُوا
الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} الآية.
وقال
تعالى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} والساعي في
الإصلاح بين الناس أفضل من القانت بالصلاة والصيام والصدقة كما ثبت في ذلك الحديث
عن نبينا صلى الله عليه وسلم رواه الامام أحمد في المسند .
والمصلح
لا بد أن يصلح الله سعيه وعمله، كما أن الساعي في الإفساد لا يصلح الله عمله ولا
يتم له مقصوده كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا
يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} .
فهذه
الأشياء حيثما فعلت فهي خير، كما دل على ذلك الاستثناء.
ولكن
كمال الأجر وتمامه بحسب النية والإخلاص، ولهذا قال: {وَمَنْ
يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا
عَظِيمًا} فلهذا ينبغي للعبد أن يقصد وجه الله تعالى ويخلص العمل لله في كل
وقت وفي كل جزء من أجزاء الخير، ليحصل له بذلك الأجر العظيم، وليتعود الإخلاص
فيكون من المخلصين، وليتم له الأجر، سواء تم مقصوده أم لا لأن النية حصلت واقترن
بها ما يمكن من العمل.
عباد
الله: وأكثر الناس يغضبون ويتقاطعون لأجل الدنيا ولا يغضبون للدّين، تنتهك حرمات
الله تعالى فلا يتحرك قلب أحدهم، ولكنه يغضب أشد الغضب إذا انتُقِصَ شيء من دنياه،
أو اعتُدِي على كرامته، ولأجل ذلك تكثر الخصومة فيما بينهم، بل قد تكون الخصومة
على أمور حقيرة، وأسباب تافهة، ولكن الشيطان ينفخ فيها حتى تعظم في نفوس المتخاصمين.
وللمتخاصمين
هذه الأحاديث النبوية والتي والله لواحد منها يكفي المؤمن العاقل الذي يريد النجاة
يوم القيامة.
أيها
المقاطع !!!!هل تعلم أن عملك الصالح : صلاة أو صياما أو قراءة للقران أو غيرها لا
يرفع لك ما دمت على هذه الحال من التقاطع
ثبت في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: « تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الاِثْنَيْنِ
وَيَوْمَ الْخَمِيسِ، فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا،
إِلاَّ رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ:
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا،
أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا » أي أخروا وأمهلوا هذين عن نيل
المغفرة حتى يصطلحا
أيها
المقاطع !!! في الصحيحين عَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ
أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا
وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلاَمِ)
وتأمل
في هذا الحديث (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ
بِالسَّلاَمِ) خيرية عظيمة وأجر كبير .
القطيعة
غبنها وفحشها عميم والاصلاح شأنه عظيم
بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، وَنَفَعَنِي
وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ، أَقُولُ قَوْلِي
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
هنيئا
لمن أجرى الله الخير على يديه، فجعله سببا للمّ شمل قد تفرق، وإنهاء فُرْقة دامت
لسنوات:
أخرج
ابن ماجة في سننه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مِنَ
النَّاسِ مَفَاتِيحَ لِلْخَيْرِ مَغَالِيقَ لِلشَّرِّ، وَإِنَّ مِنَ النَّاسِ
مَفَاتِيحَ لِلشَّرِّ مَغَالِيقَ لِلْخَيْرِ، فَطُوبَى لِمَنْ جَعَلَ اللهُ
مَفَاتِيحَ الْخَيْرِ عَلَى يَدَيْهِ، وَوَيْلٌ لِمَنْ جَعَلَ اللهُ مَفَاتِيحَ
الشَّرِّ عَلَى يَدَيِهِ». حديث حسن.
لقد
كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم السعيُ في الإصلاح بين الناس، وكان يَعرض
الصلح على المتخاصمين، كما أنه باشر الصلح بنفسه في مواطن عديدة، وحث صحابته على
ذلك. فقد أخرج البخاري في صحيحه عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: «اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ» فأمر النبي
صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يذهبوا معه للإصلاح بينهم.
ويقول
الأوزاعي رحمه الله: (ما خُطوة أحبّ إلى الله عز وجل مِن خُطوة في إصلاح ذات البين).
اللهم إنا نسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين وأن تغفر
لنا وترحمنا وتتوب علينا، وإذا أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك غير مفتونين، اللهم
احفظنا بالإسلام قائمين واحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت
بنا أعداء و لا حاسدين ، اللهم إنا نسألك من كل خير خزائنه بيدك ، ونعوذ بك من كل
شر خزائنه بيدك . اللهم أصلح أحوالنا ونياتنا وذرياتنا واختم بالصالحات أعمالنا
وبلغنا فيما يرضيك آمالنا. اللهم احفظ بلادنا من كل سوء ومكروه، واحفظها من كل شر
وفتنة يا رب العالمين، اللَّهُمَّ رد كيد الكائدين في نحورهم وكفنا شرورهم إنك على
كل شيء قدير، اللَّهُمَّ احفظ علينا أمننا وإيماننا واستقرارنا في أوطاننا ولا
تسلط علينا ذنوبنا ما لا يخافك فينا ولا يرحمنا يا أرحم الراحمين. اللهم أصلح ولاة
أمرنا واحفظ جنودنا ورجال أمننا بحفظك، ومدهم بعونك وتوفيقك، وألف بين قلوبهم،
وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم من أرادنا وأراد ديننا وبلادنا وأمننا وأخلاقنا
بسوء اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً عليه يا رب
العالمين. اللهم صلّ وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب
العالمين .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ الوليد الشبعان تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=129
|