اَلْشَّبَاْبُ بَيْنَ اَلْأَلَمِ وَالأَمَلِ
الْحَمْدُ للهِ أَنْشَأَ
الْكَوْنَ مِنْ عَدَمٍ وَعَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى، أَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ
الْكُتُبَ تِبْيَانًا لِطَرِيقِ النَّجَاةِ وَالْهُدَى، أَحْمَدُهُ -جَلَّ شَأْنُهُ-
وَأَشْكُرُهُ عَلَى نِعَمٍ لَا حَصْرَ لَهَا وَلَا مُنْتَهَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا
إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ يُرْتَجَى، وَلَا نِدَّ لَهُ يُبْتَغَى،
وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ الْحَبِيبُ الْمُصْطَفَى
وَالنَّبِيُّ الْمُجْتَبَى ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ
سَارَ عَلَى النَّهْجِ وَاقْتَفَى.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِوَصِيَّة اللهِ لَكُمْ وَلِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، تَقْوَى
اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، ]وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ[ ، فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللهُ
بِأَنَّ ظَاهِرَةَ انْحِرَافِ الشَّبَابِ وَكَثْرَةِ فَسَادِهِمْ ظَاهِرَةٌ خَطِيرَةٌ
، وَدَلِيلُ وَاضِحٌ عَلَى وُجُودِ خَلَلٍ فِي الْمُجْتَمَعِ ، وَبُرْهَانٌ بَيِّنٌ
عَلَى الْقُصُورِ فِي التَّرْبِيَةِ ، وَعَلَامَةٌ أَكِيدَةٌ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ سَيِّئٍ
، وَلِكَيْ نُدْرِكَ وَنَسْتَشْعِرَ سُوءَ حَالِ بَعْضِ شَبَابِنَا ؛ نَتَأَمَّلُ
كَيْفَ كَانَ الشَّبَابُ فِي زَمَنِ سَلَفِنَا الصَّالِحِ ، حِينَمَا كَانَتْ تَرْبِيَتُهُمْ
تُسْتَمَدُّ مِنْ كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
خَرَجَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى أُحُدٍ لِلِقَاءِ الْمُشْرِكِينَ ، فَلَمَّا اصْطَفَّ
الْجَيْشُ، قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَعْرِضُهُ ، فَرَأَى
فِي الْجَيْشِ صِغَارًا لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ ، وَقَفُوا فِي صُفُوفِ الرِّجَالِ
الكبارِ! يُرِيدُونَ الْجِهَادَ فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ، يُرِيدُونَ إِعْلَاءَ
كَلِمَةِ اللهِ! لَمْ يَصْطَفُّوا لِلتَّفْحِيطِ ، أَوْ مُضَايَقَةِ الْمُسْلِمِينَ
فِي أَمَاكِنِهِمُ الْعَامَّةِ، أَوِ الرَّقْصِ عَلَى الشِّيلَاتِ فِي الشَّوَارِعِ
، إِنَّمَا اصْطَفُّوا لِلْجِهَادِ ابْتِغَاءَ الشَّهَادَةِ، فَأَشْفَقَ عَلَيْهِمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَشْفَقَ عَلَيْهِمُ الرَّحِيمُ بِأُمَّتِهِ
، فَرَدَّ مَنِ اسْتَصْغَرَ مِنْهُمْ ، وَكَانَ فِيمَنْ رَدَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ
وَالسَّلَامُ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ وَسَمُرَةُ بْنُ جُنْدُبٍ ، ثُمَّ أَجَازَ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا لَمَّا قِيلَ : إِنَّهُ رَامٍ يُحْسِنُ الرِّمَايَةَ
. فَبَكَى سَمُرَةُ وَقَالَ لِزَوْجِ أُمِّهِ: أَجَازَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَافِعًا وَرَدَّنِي مَعَ أَنِّي أَصْرَعُهُ، فَبَلَغَ رَسُولَ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَبَرُ، فَأَمَرَهُمَا بِالْمُصَارَعَةِ
فَكَانَ الْغَالِبُ سَمُرَةَ فَأَجَازَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَفِي غَزْوَةِ بَدْرٍ يَقُولُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
: رَأَيْتُ أَخِي عُمَيْرًا قَبْلَ أَنْ يَعْرِضَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ يَتَوَارَى؛ أَيْ : يَخْتَبِئُ فِي الْجَيْشِ ،
فَقُلْتُ : مَا لَكَ يَا أَخِي ؟ قَالَ: إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَرَانِي رَسُولُ
اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَرُدَّنِي ، وَأَنَا أُحِبُّ الْخُرُوجَ
لَعَلَّ اللهَ يَرْزُقُنِي الشَّهَادَةَ . يُرِيدُ الشَّهَادَةَ ! تَدْرُونَ كَمْ
عُمُرُهُ ؟ سِتَّةَ عَشَرَ عَامًا ! مَاذَا يَفْعَلُ بَعْضُ الْأَبْنَاءِ الْيَوْمَ فِي هَذِهِ السِّنِّ ؟! اللهُ الْمُسْتَعَانُ .
قَالَ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : فَعُرِضَ عُمَيْرٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَدَّهُ لِصِغَرِهِ ، فَلَمَّا رَدَّهُ بَكَى فَأَجَازَهُ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَكَانَ سَعْدٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ :
فَكُنْتُ أَعْقِدُ حَمَائِلَ سَيْفِهِ مِنْ صِغَرِهِ ، طِفْلٌ صَغِيرٌ ، فَقُتِلَ
وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ . نَالَ الشَّهَادَةَ
فِي سَبِيلِ اللهِ تَعَالَى ، لَمْ يَمُتْ تَحْتَ عَجَلَاتِ سَيَّارَتِهِ لِأَنَّهُ
يُفَحِّطُ، وَلَمْ يَمُتْ كَالَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي دَوْرَاتِ الْمِيَاهِ بِالْإِبَرِ
الْمُخَدِّرَةِ ، إِنَّمَا مَاتَ شَهِيدًا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، وَاعْمَلُوا عَلَى تَرْبِيَةِ أَبْنَائِكُمْ
تَرْبِيَةً إِسْلَامِيَّةً صَحِيحَةً ، أَدِّبُوهُمْ عَلَى حُبِّ اللهِ عَزَّ
وَجَلَّ ، وَحُبِّ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَحُبِّ الْقُرْآنِ
وَالدِّينِ ، اجْعَلُوا شَبَابَ السَّلَفِ قُدُوَاتِهِمْ فَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ
رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ يَقُولُ أَحَدُهُمْ : كُنَّا نُعَلِّمُ أَوْلَادَنَا مَغَازِيَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا نُعَلِّمُهُمُ السُّورَةَ مِنَ
الْقُرْآنِ .
أَسْأَلُ اللهَ أَنْ
يَهْدِيَ ضَالَّ الْمُسْلِمِينَ ، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ ، أَقُولُ قَوْلِي
هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ
الْغَفُورُ الرَّحِيمُ .
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى
إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ،
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ ، فَيَا عِبَادَ اللهِ :
إِنَّ الْمُتَأَمِّلَ فِي أَحْوَالِ بَعْضِ شَبَابِنَا ذُكُورًا وَإِنَاثًا ،
لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى قَلْبِهِ خَوْفًا مِنْ مُسْتَقْبَلٍ سَيِّئٍ ، فَشَبَابُ الْيَوْمِ
هُمْ رِجَالُ الْغَدِ وَثَرْوَةُ الْوَطَنِ، وَشَابَّاتُ الْيَوْمِ هُنَّ أُمَّهَاتُ
الْمُسْتَقْبَلِ، فَمَاذَا يُرْتَجَى مِنْ شَبَابٍ وَشَابَّاتٍ قُدُوَاتُهُمُ التَّافِهُونَ
وَالتَّافِهَاتُ، وَالْفَاسِقُونَ وَالْفَاسِقَاتُ ، مُتْعَتُهُمْ تَضْيِيعُ الْأَوْقَاتِ
، وَقَضَاؤُهَا فِي سَفَاهَاتِ الْأُمُورِ وَالشَّهَوَاتِ وَالْمَلَذَّاتِ الْمُحَرَّمَةِ،
هَمُّهُمْ بُطُونُهُمْ وَفُرُوجُهُمْ، لَا أَشْكَالُهُمْ أَشْكَالُ الْمُسْلِمِينَ،
وَلَا تَصَرُّفَاتُهُمْ تَصَرُّفَاتُ الْمُتَّقِينَ ، وَلَا سِمَاتُهُمْ سِمَاتُ
الْمُؤْمِنِينَ، هُمْ إِلَى غَيْرِ أَولَئِكَ أَنْسَبُ وَأَقْرَبُ، لَا يُبَالُونَ
فِي اخْتِلَاطٍ وَلَا تَحَرُّشٍ وَلَا خَادِشٍ لِحَيَاءٍ .
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى
، وَخَاصَّةً فِي مَجَالِ صَلَاحِ مَا أَفْسَدَهُ شَيَاطِينُ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ
فِي بَعْضِ شَبَابِنَا ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : ] وَتَعَاوَنُوا عَلَى
الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ .
أَسْأَلُ اللهَ عَزَّ
وَجَلَّ أَنْ يَهْدِيَ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَنْ يَرْزُقَهُمُ الْفِقْهَ فِي
الدِّينِ ، وَالتَّمَسُّكَ بِسُنَّةِ خَاتَمِ الْأَنْبِيَاءِ وَإِمَامِ الْمُرْسَلِينَ
، إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ .
أَلَا وَصَلُّوا
عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ
بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا : ]إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[
، فَاللَّهُمَّ صَلَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، صَاحِبِ الْوَجْهِ
الْأَنْوَرِ وَالْجَبِينِ الْأَزْهَرِ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنْ صَحَابَتِهِ
الْغُرَرِ، أَبِي بَكْرٍ وَعُمَر وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، وَعَنْ بَقِيَّةِ الصَّحَابَةِ
أَجْمَعِينَ، وَعَنِ التَّابِعِينَ وتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ
بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِعَفْوِكَ وَجُودِكَ
وَكَرَمِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .
اللَّهُمَّ إِنَّا
نَسْأَلُكَ نَصْرَ الْإِسْلَامِ وَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، اللَّهُمَّ انْصُرِ
الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ ، وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ ، وَاجْعَلْ
هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ ،
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ،
وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ
يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ .
] رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً
وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [ .
عِبَادَ اللهِ :
] إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ
وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ
وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ . فَاذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشْكُرُوهُ
عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ ، وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ ، وَاللهُ يَعْلَمُ
مَا تَصْنَعُونَ .
وللمزيد من الخطب السابقة للشيخ عبيد الطوياوي تجدها هنا:
http://www.islamekk.net/catplay.php?catsmktba=120 |