الحذر من تلويث الفطر
الحمد لله العليم الخبير ، السميع البصير ، } أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ { .
أحمده حمدا يليق بكريم وجهه ، وعظيم سلطانه ، } لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآَخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، } غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ { .
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، وصفيه وخليله ، وخيرته من خلقه ، أرسله بالحق بشيرا ونذيرا } وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ { صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد ، عباد الله :
تقوى الله U وصية الله لعباده ، الأولين والآخرين ، } وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ { فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ جعلني الله وإياكم من عباده المتقين .
أيها الأخوة المؤمنون :
روى البخاري في صحيحه ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : (( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ )) .
ففي هذا الحديث العظيم ، الذي يعتبر أصلا في نظام التربية ، وقانونا لتحديد مسار الأبناء ذكورا وإناثا ، يبين لنا الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أهمية البيئة المحيطة في أبنائنا ، وضرورة الاعتناء بهم منذ لحظة خروجهم من أرحام أمهاتهم ، والعناية بما سيشاهدون ويسمعون حولهم ، وجريمة من يجعلون الطفولة مبررا لعدم مبالاتهم ، وصغر السن عذرا لسكوتهم عن أخطاء فلذات أكبادهم .
أيها الأخوة :
إن كان هذا الحديث العظيم ، يبين الدور الفعال للآباء في تكوين عقيدة أبنائهم ، فكيف بما هو أدنى من ذلك ، كالسلوك والعادات والتقاليد .
إن كان الأبوان ـ أيها الأخوة ـ يؤثران في أبنائهم ، إلى درجة أن يجعلاهم يهودا أو نصارى أو مجوس ، فتأثيرهم في جعله مجرما خبيثا منحرفا فاسقا ، من باب أولى .
وهذا الأمر ـ أيها الأخوة ـ نعيشه واقعا ، لا يحتاج لمزيد من الإقناع ، تأمل في أي أبن ، تجده نسخة من أبويه ، وصدق ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( كَمَا تُنْتَجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ ، هَلْ تُحِسُّونَ فِيهَا مِنْ جَدْعَاءَ )) ، البهيمة تولد جمعاء ، أي كاملة لا نقص فيها ، ولكن مالكها يقطع أذنها فتكون جدعاء . والجدعاء مقطوعة الأذن .
أيها الأخوة المؤمنون :
فوضع الآباء ، وطريقة تعاملهم ، واهتمامهم بأبنائهم ، يؤثر على فطرة الأبناء ، فلنهتم ونعتني بهذا الجانب ، كي لا تلوث فطر أبنائنا .
وثم ـ أيها الأخوة ـ ملوث آخر ، لا يقل أهمية عن دور الآباء ، ألا وهو البيئة المحيطة بأبنائنا ، المجتمع ـ أيها الأخوة ـ فللمجتمع دور فعال ـ أيضا ـ في التأثير على فلذات أكبادنا ، وإن كان المجتمع يؤثر في الرجال ، فإن تأثيره في الصغار أشد ، تأملوا ـ أيها الأخوة ـ حالنا في رمضان ، الذي مر قبل أيام ، حينما كان أفراد المجتمع يستشعرون ، أهمية العبادة ، ويلتمسون ما يقربهم من الله ، المساجد عامرة ، والمصاحف مشرعة ، والمساكين صار ينظر إليهم ويعطف عليهم ، انضباط في المواعيد ، مراقبة للتصرفات ، محاسبة للنفس ، مسارعة للخيرات ، لا نعرف الفتور ولا الكسل ، ولكن انظروا حالنا اليوم ، فللمجتمع تأثيره !
امرأة زنت في عهد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ضاقت عليها الأرض بما رحبت ، حتى أتت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي تقول : (( طَهِّرْنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ لَهَا : اذْهَبِي حَتَّى تَضَعِي حَمْلَكِ )) ـ كما في الحديث الذي رواه مسلم ، فتضعه وتأتي به ، ثم يقول لها حتى تفطميه ، ثم تأتي به وبيده قطعة من خبز ، فيقيم عليها الحد ـ صلى الله عليه وسلم ، ويقول : (( لقد تابت توبة لو وزعت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم )) فترة طويلة وهي تعاني من ألم جريمتها ، لأن مجتمعها مجتمع طاهر ، مجتمع محافظ على أمر الله ـ عز وجل ـ .
فللمجتمع دور فعال في سلامة الفطر أو تلويثها ، وصدق الله : } وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا { .
فللمجتمع تأثيره ـ أيها الأخوة ـ فليحذر الذين تعميهم الثقة الزائدة بمن حول أبنائهم ، فكم من الذين يعانون من انحراف أبنائهم بسبب أقرب الناس إليهم .
فتلويث الفطر ، أمر يجب الحذر منه ، والعمل على سلامة الأبناء بالبعد عنه ، ولن يكون ذلك إلا بالاهتمام البالغ ، والحرص الشديد ، من قبل الآباء ، ومراقبة أبنائهم ، وإيجاد بيئة سليمة صالحة .
اسأل الله أن يهدي ضال المسلمين ، إنه سميع مجيب ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب ، فإنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه ، والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا .
أما بعد فيا أيها الأخوة المؤمنون :
ومن ملوثات الفطر ، التي تؤثر في تربية الأبناء ، المدارس ، وقد صدق ووفق ، من سمى الجهة المشرفة عليها ، بوزارة التربية والتعليم ، ونسأل الله أن تكون كذلك ،فللمدارس دور فعال ـ لا يقل أهمية عن دور الآباء والمجتمع ـ في تحديد ورسم مسار الأبناء ، فالأبناء يتربون ويتعلمون من معلميهم ومن زملائهم ، فإذا عمل الآباء والمجتمع على تلويث فطرة الأبناء ، وقصرت المدارس في واجبها ، فقل على الأبناء السلام .
وكذلك ـ أيها الأخوة ـ من أخطر ملوثات الفطر : وسائل الإعلام ، فما يقصر فيه الآباء ، وما يتسبب فيه المجتمع ، وما تهمله بعض المدارس ، تكمله وسائل الإعلام ، ودور وسائل الإعلام ، لا ينكره إلا جاهل ، تلوثت فطرته بملوث من ملوثات الفطر .
فلنتق الله ـ أحبتي في الله ـ في تربية أبنائنا ، ولنحرص على ضبط تعاملنا معهم بضوابط الشرع ، الذي هو الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، كما قال تعالى : } فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ { قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : } فِطْرَةَ اللَّهِ { دين الله } الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا { التي خلق الناس عليها في بطون أمهاتهم .
ولنحذر ـ أيها الأخوة ـ وضع أبنائنا في البيئات الفاسدة ، سواء كان أفرادها من أقاربنا أو جيراننا ، أو من معلمين وزملاء ، ولنعمل على وقاية فلذات أكبادنا ، من وسائل الإعلام التي لا هم لها إلا جني الأموال ، ونيل أعجاب كثير من الناس ، الذين يصدق بحقهم قول الله تعالى : } وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ { .
اسأل الله لي ولكم علما نافعا ، وعملا خالصا ، وسلامة دائمة ، إنه سميع مجيب .
اللهم إنا نسألك صلاح أبنائنا ، وهداية فلذات أكبادنا ، واستقامة ذرياتنا ، اللهم جنبهم الفتن ، ما ظهر منها وما بطن ، يا سميع الدعاء .
اللهم إنا نسألك الهدى ، والتقى ، والعفاف والغنى ، اللهم أحينا سعداء ، وتوفنا شهداء ، واحشرنا في زمرة الأتقياء ، يارب العالمين .
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ، ونعوذ بك من سخطك والنار ، برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم وفقنا جميعا لهداك ، واجعل عملنا برضاك ، واجعلنا هداة مهتدين ، لا ضالين ولا مضلين .
اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ، ونفس كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، اللهم فرج عن المسلمين المستضعفين في كل مكان ، اللهم عجل بفرج المسلمين في سوريا ، وفي فلسطين ، اللهم عجل بفرجهم ، وآمن روعهم ، واحقن دماءهم ، واحفظ أعراضهم ، وفك أسراهم ، واجبر كسرهم يارب العالمين .
اللهم احفظ لنا أمننا ، وسدد ولاة أمرنا ، ووفق علماءنا ودعاتنا ، اللهم من أراد بنا سوء ، وعمل على تفريق جماعتنا ، وتمزيق وحدتنا ، اللهم أشغله بنفسه ، واجعل كيده في نحره ، واجعل تخطيطه وتدبيره سببا من أسباب تدميره ، يا قوي يا عزيز .
} رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ { .
عباد الله :
} إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ{ فاذكروا الله العظيم يذكركم ، واشكروه على وافر نعمه يزدكم ، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون .
|