مَاْ إِلَيْهِ نَحْتَاْجُ بَعْدَ عَوْدَةِ اَلْحُجَّاْجِ
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ؛ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ ـ أَعَاذَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ النَّارِ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْمُؤْمِنُونَ:
أُوصِيكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ وَصِيَّةِ اللهِ لِعِبَادِهِ: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ﴾، فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ، وَاعْلَمُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ، بِأَنَّ شُكْرَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِعَمِهِ، مَقَامٌ مِنْ مَقَامَاتِ عُبُودِيَّتِهِ سُبْحَانَهُ، وَهُوَ الاِعْتِرَافُ بِمِنَّةِ اللَّهِ وَالْإِقْرَارُ بِنِعْمَتِهِ، وَذَلِكَ مِنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ الَّتِي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ لَا يَغْفَلَ عَنْهَا، يَقُولُ تَعَالَى: ﴿بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ ﴾، وَوَعَدَ سُبْحَانَهُ الشَّاكِرِينَ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى، يَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ ﴾.
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الشُّكْرِ فِي حَيَاةِ الْمُسْلِمِ: حِرْصُ النَّبِيِّ ـ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَلَيْهِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي حَتَّى تَوَرَّمَتْ قَدَمَاهُ، فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ، قَالَ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: « أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا؟ ».
وَبِالشُّكْرِ ـ أَيُّهَا الإِخْوَةُ ـ تَدُومُ النِّعَمُ؛ يَقُولُ - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾، وَيَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾، يَقُولُ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: عَلَيْكُمْ بِمُلَازَمَةِ الشُّكْرِ عَلَى النِّعَمِ، فَقَلَّ نِعْمَةٌ زَالَتْ عَنْ قَوْمٍ فَعَادَتْ إِلَيْهِمْ.
وَمِنْ شُكْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى نِعَمِهِ: التَّحَدُّثُ بِهَا؛ يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾، يَقُولُ ابْنُ سِعْدِيٍّ - رَحِمَهُ اللهُ - فِي تَفْسِيرِهِ: إِنَّ التَّحَدُّثَ بِنِعْمَةِ اللهِ دَاعٍ لِشُكْرِهَا، وَمُوجِبٌ لِتَحْبِيبِ الْقُلُوبِ إِلَى مَنْ أَنْعَمَ بِهَا، فَاشْكُرُوا اللهَ عَلَى نِعَمِهِ؛ وَمِنْ ذَلِكَ: مَا تَحَقَّقَ مِنْ نَجَاحٍ بَاهِرٍ لِمَوْسِمِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ، حَيْثُ أَدَّى الْمُسْلِمُونَ مَنَاسِكَ حَجِّهِمْ فِي أَمْنٍ وَطُمَأْنِينَةٍ وَيُسْرٍ وَسَكِينَةٍ وَرَاحَةٍ، وَذَلِكَ بِفَضْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾، ثُمَّ بِفَضْلِ وَجُهُودِ وَمَا تَبْذُلُهُ حُكُومَةُ هَذِهِ الْبِلَادِ الْمَمْلَكَةُ الْعَرَبِيَّةُ السُّعُودِيَّةُ الَّتِي وَفَّقَهَا اللَّهُ وَسَخَّرَهَا لِخِدْمَةِ بَيْتِهِ وَمَسْجِدِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلِكَيْ نُدْرِكَ قِيمَةَ مَا تَقُومُ بِهِ هَذِهِ الْحُكُومَةُ الْمُبَارَكَةُ، لِلْحُجَّاجِ وَالْمُعْتَمِرِينَ وَالزُّوَّارِ، نَتَصَوَّرُ أَنْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْبِلَادِ، فَصَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ﴾، فَمِنْ وَاجِبِ الْمُسْلِمِينَ كَافَّةً، فِي هَذِهِ الْبِلَادِ وَفِي غَيْرِهَا مِنْ بُلْدَانِ الْعَالَمِ: شُكْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالثَّنَاءُ الصَّادِقُ وَالدُّعَاءُ لِهَذِهِ الْبِلَادِ وَحُكَّامِهَا وَشَعْبِهَا، وَأَنْ يُدِيمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهَا نِعْمَةَ التَّوْحِيدِ وَسَلَامَةِ الْعَقِيدَةِ، وَالْمَنْهَجِ الصَّحِيحِ، وَالْأَمْنِ وَالْأَمَانِ، وَالْعِنَايَةِ بِضُيُوفِ الرَّحْمَنِ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الْكِيَانِ، الْمَمْلَكَةِ الْعَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ، وَحَاكِمِهَا؛ خَادِمًا لِلْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ، وَكَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: « لا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ »، أَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَحْفَظَ لَنَا أَمْنَنَا، وَيُوَفِّقَ وُلَاةَ أَمْرِنَا، وَيَزَعَنَا شُكْرَ نِعَمِهِ، إِنَّهُ قَرِيبٌ سَمِيعٌ مُجِيبٌ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.
أَمَّا بَعْدُ، فَيَا عِبَادَ اللهِ:
إِنَّ مِنْ أَسْبَابِ الْفَوْزِ وَالْفَلَاحِ وَالنَّجَاحِ فِي الدُّنْيَا وَالْاخِرَةِ، امْتِثَالَ أَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالتَّمَسُّكَ بِسُنَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾، وَنَجَاحُ مَوْسِمِ الْحَجِّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَسَلَامَتُهُ مِنَ الْحَوَادِثِ وَالْأَوْبِئَةِ وَمَا يَشُوبُهُ مِنَ الْآفَاتِ، بَعْدَ تَوْفِيقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ هُوَ مَا وَضَعَتْهُ حُكُومَةُ هَذِهِ الْبِلَادِ مِنْ أَنْظِمَةٍ وَتَعْلِيمَاتٍ وَتَوْجِيهَاتٍ، تَمَسَّكَ الْمُسْلِمُونَ بِهَا، وَعَمِلُوا عَلَى تَطْبِيقِهَا، وَحَرَصُوا عَلَى عَدَمِ مُخَالَفَتِهَا؛ امْتِثَالًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ﴾، أَلَا وَصَلُّوا عَلَى الْبَشِيرِ النَّذِيرِ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ، فَقَدْ أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ جَلَّ مِنْ قَائِلٍ عَلِيمًا: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾.
فَاللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَزِدْ وَبَارِكْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ التَّابِعِينَ وَتَابِعِي التَّابِعِينَ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَعَنَّا بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
اللَّهُمَّ انْصُرِ الْإِسْلَامَ وَأَعِزَّ الْمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَاحْمِ حَوْزَةَ الدِّينِ، اللَّهُمَّ وَاجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَاسْتَعْمِلْ عَلَيْنَا خِيَارَنَا، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.
﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.
عِبَادَ اللَّهِ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ فَاذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.